
تجاوزا للمآزق السابقة التي فرضها تغير الفضاء العمومي وامتداداته المتجلية في فكرة المواطنة والديمقراطية والحق والعدالة، وأيضا باقي المقولات المركزية للفكر السياسي المعاصر، كان من البديهي أن تنشأ أطروحات فلسفية معبرة عن هذا القلق المتعلق بإمكانية تحول انسدادات الفضاء العمومي في حال فشله في تدبير مزيجه الواقعي والافتراضي، إلى أزمة تشمل الديمقراطية وباقي مرتكزات القول السياسي المعاصر. وهي أطروحات تعتمد بالأساس على تصحيح منعرجات هذه الأزمة المحتملة من خلال التنبيه لأشكال الإقصاء والتمييز التي قد تنشأ عن تشييد فضاء عمومي لا يحترم شروط التواصل والتفاعل الإيجابي والتثاقف والتقابس وصناعة رأي عام حر ومسؤول، ولا يؤسس بالتالي لمواطنة تفاعلية ومنفتحة ومنسجمة ومتصالحة مع ذاتها ومحيطها. وهذا الذي استدعى من قبل تايلور وغيره أيضا أمثال "ميد" و"فرايزر" و"أكسيل هونيت" وغيرهم، الرهان على تجنب الاحتقار وتثمين مبادئ الاعتراف والحق في الاختلاف، من أجل بناء فضاء عمومي يسمح بتدبير اختلالات المواطنة، حتى لا تصير خاضعة لتقسيم استعماري يقول بوجود مواطنة من درجة أولى وأخرى من درجة ثانية.
وعموما فإن المجال العمومي العربي يختلف عن الفضاء العمومي الغربي في هذا الشأن بمستويين:
انتبهت أغلب الفلسفات المعاصرة إلى أهمية تكريس مبادئ تأسيس فضاء عمومي يستجيب لشروط التعايش والانفتاح وتقبل الاختلاف، ومنها مثلا ما أشارت إليه حنة آرندت في الجزء المتعلق بأهمية الحوار في تأسيسها لفلسفة الفعل، حيث اعتبرت أن الفعل كنشاط إنساني في حاجة إلى الحوار التواصل.
شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على التوجهات الفكرية لدى الشباب السعودي
رغم أنه في حالة تايلور مبني على هواجس مخالفة، تريد الإجابة على أسئلة "التعددية"، وعن سؤال "طبيعة" الوجود الإنساني، و"غاياته" في الآن ذاته.
من الصعب تفسير عملية تكوين الرأي العام، لأنه متغير ومتقلب، كما أنه لا يمكن إدراكه بمعزل عن دور المعلومات التي يحصل عليها الفرد من البيئة السياسية والاجتماعية المحيطة، وخاصة في القضايا المهمة التي تتصل بمصائر الشعوب.
ومن خلال تناول الفضاء العمومي والفعل التواصلي لهابرماس يمكن اعتبار أنه يتميز بسمتين أساسيتين هما : أنه فضاء تسود فيه الديمقراطية ومن حق كل مواطن التعبير عن أفكاره بحرية دون إكراه، كما أنه فضاء يتحقق فيه شرط الاستقلالية، حيث يدخله كل متحاور بمعزل عن انتماءاته حتى يستطيع التواصل مع الآخرين.
فضاء عمومي اتصالي حامل لانشغالات واحتياجات الجمهور في جميع ميادين الحياة الاجتماعية.
المواطنة الافتراضية الفضاء العمومي الافتراضي التقدم التقني تايلور
الفضاء العمومي، الديمقراطية، حرية التعبير، حرية الصحافة، الرأي العام
وبذلك يتحدى السياق الشبكي الافتراضات الرئيسية للنظرية، ففي الفضاء الافتراضي قد تكون بعض المتغيرات الرئيسية لدوامة الصمت ذات أهمية أقل، لا سيما الخوف من العزلة الاجتماعية؛ لأن الأفراد يمثلون في الواقع جمهورًا مجهولًا.
يهدد الخوف من العزلة الاجتماعية الأفراد، مما يجعلهم يتحفظون عن إبداء آرائهم ولا يعلنون عنها، لا سيما إذا أدركوا أن هذه الآراء لا تحظى بتأييد الآخرين، وعلى العكس من ذلك، فإن أولئك الذين يشعرون أن آراءهم ستلقى استحسانًا، يرغبون في التعبير عنها من دون خوف.
إن النظر إلى الإعلام الجديد باعتباره فضاءا وليس وسيلة يتيح مقاربة التمثيل الافتراضي للحياة الاجتماعية بمظاهرها وأحداثها وفاعليتها التي تشكل الفضاء الامارات العمومي الافتراضي، والذي يمكن حصر خصوصيته في المستويات التالية:
يرى الكثير من الباحثين أن دوامة الصمت غير ملائمة للواقع التقني الجديد، وما يتيحه من فرص لتبادل الآراء والأفكار والانفتاح على المعتقدات والأيديولوجيات المتنوعة، حيث تضعف وتتراجع دوامة الصمت في سياقات الاتصال عبر الشبكة، لأن الأخيرة تؤدي إلى مزيد من التداول عن طريق تحرير الناس من الحواجز النفسية وشعورهم بالراحة في حالة عدم الكشف عن الهوية الحقيقية، فهنا ينخفض عامل الخوف من العزلة، ويكون الأفراد عبر الإنترنت أكثر قدرة على التعبير عن آرائهم، مما يقلل من تأثير دوامة الصمت على الشبكة.
ووجدت الدراسة أن دوامة الصمت تقدم أطروحتين متناقضتين فيما يتعلق بتطبيقها ضمن سياق الفضاء الافتراضي، نور الإمارات تتعلق الأطروحة الأولى بتمكين سمات التواصل الشبكي من تقليص حضور النظرية من خلال تحفيز الأفراد على التعبير عن آرائهم وأفكارهم، فلم تعد مشاركات الأفراد غير مسموعة، حتى وإن كانوا يمثلون الأقلية، كما أنهم مستعدون للتحدث بصراحة وبحرية أكبر من خلال إنشاء مجموعات افتراضية لها نفس الاهتمامات والتفاعل الذي يخلو من القيود المفروضة على السلوك المعادي نتيجة التواصل بهويات مزيفة ومجهولة، وغياب الوجود المادي للشخص والتواصل وجهًا لوجه.